عُمان تكتب فصلها الخاص في إكسبو 2025 أوساكا - اليابان
جناح سلطنة عُمان في إكسبو 2025 بأوساكا يروي قصة الأرض والماء والإنسان عبر تصميم معماري مميز وحديقة معلّقة تعبق بروائح اللبان والياسمين. تجربة حسية متكاملة تربط الزائر بين عُمان واليابان بلغة الضوء والعطر والموسيقى.
.jpg)
عُمان تكتب فصلها الخاص في إكسبو 2025 أوساكا - اليابان
جناح ينسج "روابط ممتدة" بين الإنسان والطبيعة، وبين اليابان وعُمان، وبين الحواس والذاكرة
-1.jpg)
في قلب أوساكا، حيث تلتقي سلطنة عُمان بالشرق في معرض "إكسبو 2025"، وبين أجنحة تتباهى بأحدث ما جادت به العقول، يتوقّف الزائر أمام مبنى أحمر لافت، لا يحتاج الجناح العُماني إلى مقدمات، بل يكتفي باللون – الأحمر – ليجذبك: لون العَلَم، ولون الشمس التي تتوسّط علم اليابان، ولون القلب حين ينبض اعتزازًا. مبنى فريد لا يشبه سواه، بل يشبه عُمان: واثقًا، أصيلاً، وهادئًا في حضوره.
لكن القصة لا تبدأ من الخارج، بل من الداخل... من لحظة عبورك إلى عالم موازٍ صمّم بدقّة ليُشعرك أن الخطوة التالية تأخذك من اليابان إلى مسقط، من أوساكا إلى صلالة، ومن صخب المدن اليابانية إلى سكينة الوديان العُمانية.

الجناح… حين تُتَرجَم ملامح الوطن إلى معمار
من الخارج، يبدو جناح سلطنة عُمان ككائن حي يتنفس التاريخ. تصميمه الهندسي مائل للانسيابية، كأنه يرمز لوادٍ يتدفق، أو كثيبٍ تتحرّك رماله مع النسيم. اللون الأحمر اختيارٌ يبعث بل رسالة رمزية توحّد عُمان باليابان، وكأن الشمس التي تشرق على طوكيو تجد نظيرتها فوق جبال الحجر في عُمان.
يبدو الجناح كما لو أنه مبني ليُروى، لا ليُشرح. فهو لا يعتمد على الشاشات البراقة وحدها، بل يقدّم دعوة مفتوحة للدخول إلى قصة، تبدأ بعنوان: "الأرض، والماء، والإنسان".
ثلاثية الروح العُمانية: الأرض، الماء، الإنسان
بابتسامة هادئة ونبرة تنبع من عمق الانتماء، يستقبل أمجد الجديدي، مدير تشغيل الجناح العُماني، الزوّار قائلاً: في عُمان، الماء ليس مجرد مورد نعيش عليه… بل هو أصل كل حياة، هو الذي رسم ملامح مدننا، وشكّل عاداتنا، وبنى علاقتنا بالأرض". كلماته لم تكن تعريفًا عابرًا، بل مفتاحًا لفهم فلسفة الجناح كله، ففي بلدٍ شحيح المطر، يتحوّل الماء من عنصر طبيعي إلى قيمة وجودية، وإلى حكاية متجذّرة ترويها الأرض وتتناقلها الأجيال.
الأرض، الماء، والإنسان
ثلاث كلمات، وُضعت عنوانًا لتجربة الزائر في الجناح، لكنها ليست عناصر عرضٍ تقليدية، بل اختزال لهوية سلطنة عُمان.
في أحد الممرات، يقف أمجد الجديّدي من فريق الجناح، يشرح للزوار ببساطة: "الماء في عُمان ليس وفيرًا، لكنه حاضر في تفاصيلنا… في العمارة، في الزراعة، وفي العلاقة بين الإنسان والأرض." ليست هذه الجملة جزءًا من نصٍ محفوظ، بل امتداد لفكرة تنبثق من تصميم الجناح بأكمله: أن ما هو محدود يمكن أن يكون مركزيًا، وأن الندرة تُعلّم التقدير.
يُعرض في الداخل فيلمان قصيران. لا مشاهد استعراضية ولا رواية درامية. فقط لقطات لعُمان كما هي: بيوت فوق سفوح الجبال، أفلاج تسقي الأرض، وأيادٍ تعيد ترتيب الحياة كل صباح.
في هدوئها، تحمل هذه المشاهد أكثر مما تحمله الكلمات.

حديقة معلّقة بعبق الوطن
بعد المرور داخل المبنى، ينفتح الفضاء نحو الخارج ، نصف مساحة الجناح حديقة مصممة كامتدادٍ طبيعي لوديان عُمان. أشجار الرمان والتين والزيتون مزروعة بطريقة توحي بأنها كانت هنا من قبل، وأن المكان بُني حولها لا العكس.
بين الشجيرات، فقاعات خفيفة تنبعث منها روائح اللبان والياسمين. الهواء يحمل عبقًا مألوفًا… لا يُعرف إن كان نابعًا من الذاكرة أم من الرائحة فعليًا.
الموسيقى خافتة، تقليدية، تُشبه إلى حد بعيد صوت الريح حين تمر بين نوافذ الطين.
الحركة في هذا المكان ليست للنظر فحسب ، بل للاكتشاف. لا تُشعر الزائر بأنه في جناح داخل معرض، بل في فسحة بين جبلين، حيث لا شيء يطالب بانتباهك، لكنه يحتفظ به طويلًا.
في المساء… الجدران تُنشد قصائد ضوئية
عند غروب الشمس، يتغير كل شيء.
جدران الجناح تتحوّل إلى شاشة عرض عملاقة، عبر تقنية الإسقاط الضوئي (Projection Mapping).
تُعرض مشاهد عن جبل فوجي، تتماهى مع صور لجبال الحجر، وكأن اليابان تُصافح عُمان في مشهد ضوئي بديع.
تتراقص الألوان، وتنساب الموسيقى، ويتداخل التاريخ بالجغرافيا… في مشهد لا يُنسى، يرسّخ في الذاكرة فكرة أن المسافات تختصرها القيم المشتركة: حب الطبيعة، والتقاليد، والاحترام.

اللبان... حين تتحوّل الرائحة إلى حكاية
لا تنتهي القصة عند الجدران والممرات.
عند مخرج الجناح، يستقبلك متجر صغير، ومقهى يعرض تجارب من نوع آخر: نكهات الوطن.
في المتجر، تُعرض منتجات عُمانية أصلية، لكن البطل هو "اللبان" ، ليس كبخور فحسب، بل كأيقونة عُمانية متعدّدة الاستخدامات.
يُستخدم اللبان عند العُمانيين فوق الجمر، وأحيانًا يُمضغ كعلكة، أو يُذاب في الماء ليُضاف إلى القهوة. في مقهى الجناح، تجد "لاتيه اللبان"، وقهوة عُمانية تعبق بالهيل والزعفران، وكعك مصنوع من التين والتمر.
كل رشفة، وكل لقمة، تحكي عن مطبخ يُحتفى به لأنه يشبه الأرض: أصيل، ودافئ، ومغذٍ.
جناح سلطنة عُمان في إكسبو أوساكا تجربة متكاملة، تبدأ بخطوة، وتنتهي بإحساس.
حكاية تُحكى بلغة الضوء، والعطر، والماء.